الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس
مولده وأسرته: ولد عبد الحميد بن باديس, بمدينة قسنطينة, في يوم الأربعاء 10ربيع الثاني 1307هـ, الموافق لـ 05-12- 1889م. ونشأ في أسرة عريقة معروفة بالعلم و الجاه واليسار, فكان من أجداده الأولين (المعز ابن باديس) مؤسس الدولة الصنهاجية الأولى - التي لعبت دورا كبيرا في البلاد أثناء العصور الإسلامية المزدهرة في المغرب الإسلامي- التي خلفت دولة الأغالبة على مملكة القيروان, ومن أسلافه المتأخرين (المكي بن باديس) الذي تولى منصب القضاء بقسنطينة . ووالده (محمد المصطفى بن مكي بن باديس) صاحب مكانة مرموقة و شهرة واسعة, جعلته موضع التقدير والاحترام بقسنطينة, وأمه كريمة من كرام عائلة ابن عبد الجليل (ابن جلول) تدعى زهيرة بنت علي الأكحل.وتمتد شجرة العائلة الشيخ بن باديس إلى باكين بن زيري مؤسس دولة بنى زيري والذي بنى كل من مدينة الجزائر العاصمة وملياينة والمدية في القرن العاشر الميلادي
اجتمعت عوامل متعددة أثرت في تكوين شخصية ابن باديس ، العلمية والثقافية، وأهمها:
1- ذكاؤه واستعداده الفطري ، و قوة عزيمته الصلبة ، و قدرته على المواجهة وتخطى الصعاب.
2- أسرته التي عرفت بالعلم و المجد و اليسار , فقد هيأت له فرص التفرغ للدراسة والتعليم ، وأمدته بمعونة مالية , جعلته حرا لا يتقيد بوظيفة أو عمل ، كما كانت درعا واقية له من بطش المستعمرين.
3- ثقافته الدينية و العربية, و أعظمها تأثيرا في فكره و أسلوبه, هو القرآن الكريم.
4- حركة الإصلاح في العالم الإسلامي و العربي, التي عاصرها ابن باديس, وكان لجريدة العروة الوثقى و مجلة "المنار" أثر بارز في حياته الثقافية واتجاهه الإصلاحى و الاجتماعي.
5- آثاره العلمية: من آثاره الهامة, تفسيره للقرآن الكريم الذي دام إلقاؤه بجامع الأخضر خمسا و عشرين سنة, و كان منه آيات من سور مختلفة, كتبها و نشرها في مجلة الشهاب, وهي التي تقرأها في هذا السفر الجليل.
أساليب جهاده:
1- تأسيس جمعية العلماء المسلمين:
تأسست جمعية العلماء المسلمين في عام 1931م كان الهدف من تأسيسها هو جمع شمل علماء الأمة بهدف تنسيق الجهود فيما بينهم لتحقيق الإصلاح الديني وفق أهداف محددة وخطة محكمة بينهم ومن أهم الشخصيات المؤسسة للجمعية رفيقه الشيخ الإبراهيمي الذي أصبح رئيسا للجمعية بعد وفاة ابن باديس والطيب العقبي ممثلها في العاصمة بالإضافة إلي العربي التبسي الذي استشهد أثناء الثورة ومبارك الميلي المعروف بكتابته تاريخ الجزائر في القديم و الحديث { و رسالة الشرك ومظاهره }.
2- إنشاء الكشافة الإسلامية الجزائرية:
إن الشيخ ابن باديس هو الذي أوحي بفكرة إنشاء الكشافة الإسلامية الجزائرية محمد بوراس في عام 1933م وكان الهدف منها تربية النشء علي حب الوطن و الأخلاق العالية وقد أعدم الاستعمار محمد بوراس في عام 1941م بتهمة التحريض علي الثورة وقد تربي أغلب الشهداء و المجاهدين في الكشافة الإسلامية الجزائرية ومنهم العربي بن المهيدى و ديدوش مراد ...وغيرهما فقلما نذكر حياة شهيد من شهداء الثورة ألا ونجده قد تلقي تربيته الوطنية و الدنية في الكشاف الإسلامية الجزائرية .
3- التعليم وإنشاء المدارس الحرة:
عندما عاد ابن باديس من الحجاز في عام 1913م كان يجوب مساجد قسنطينة فيلقي فيها الدروس التي كانت تصل إلى عشرة دروس يوميا ثم أسس جمعية التربية و التعليم في قسنطينة لتهتم بتعليم هناك , وبعد إنشاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ركز جهوده منخلاها علي إنشاء المدارس الحرة بفضل أمواله وتبرعات الشعب فكانت هذه المدارس تعلم الأطفال و الكبار واللغة والدين والتاريخ التي هي مقومات الشخصية الوطنية , بالإضافة إلى الحساب والجغرافيا وكان يفكر في إنشاء مراكز التكوين المهني و التقني لو لا العراقيل الاستعمارية له ويعتبر الجامع الأخضر بقسنطينة من أكبر المدارس التعليمية الذي كان يدرس فيها ابن باديس .
ونشير إلى أن ابن باديس كان يركز على اللغة العربية لأنها كانت مهددة من الاستعمار الفرنسي ولا يعني ذلك انه لم يهتم بالغات الأجنبية .
وقد اهتم ابن باديس بتعليم البنات داعيا إلي نزع حجاب لجهل عنهن ولتحقيق ذلك إعفائهن من دفع رسوم التعليم عكس الذكور , وهي أموال تدفع للمساهمة ولو بقدر ضئيل في تمويل المدارس الحرة من الطلبة الأوائل الذين التحقوا عند اندلاعها في أول نوفمبر 1954م
4- الصحافة:
شرع الشيخ ابن باديس في الكتابة في صحيفة النجاح منذ 1919م بهدف نشر أفكا6; باديس في الكتابة في صحيفة النجاح منذ 1919م بهدف نشر أفكاره الإصلاحية , لكنه توقف عن الكتابة في الصحيفة بعدما انحرفت عن خدمت الوطن والدين , و أصبحت ألعوبة في يد الاستعمار فاضطر ابن باديس إلي إنشاء عدة صحف كوسيلة لنشر أفكاره و توعية الشعب الجزائري وكشف ألاعيب الاستعمار و أذنابه ...
وأول هذه الصحف { المنتقد} التي ظهرت في عام 1925م لكن الاستعمار أوقعها بعد أن اصدر منها
18 عدد وكان شعارها { الحق فوق كل أحد و الوطن قبل كل شيء}
وسمّيت بالمنتقد كدعوة لفكر ابن باديس التي كانت تقول بإخضاع كل شيء للنقد و النظر عكس ما كان يدعو إليه المتزمتون الذين كانوا يقولون: { اعتقد ولا تنتقد } .
وتظهر ثورة ابن باديس علي الأوضاع المنحطة في العالم الإسلامي من خلال جريدته { الشهاب } التي أنشأها في عام 1929م وعنوانها نابع من الشهب الحارقة التي ترمز إلي ضرورة حرق ومحو كل التقليد البالية و الماضي المنحط الذي ورثه المسلمون منذ دخولهم عصور الانحطاط فهي دعوة لثورة ضد الماضي المنحط من أجل التجديد وكتب ابن باديس في جرائد و صحف جمعية العلماء المسلمين كالبصائر و الشريعة .. بل كان ينشر مقالاته مترجمة بالغة الفرنسية.
وفاته:
ظلّ الأستاذ الإمام عبد الحميد بن باديس يواصل جهاده في جميع الميادين. من أجل العلم و الوطن و العروبة و الإسلام بالرغم من نحالة جسمه , بإيمان و عزم، عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939م طلبت السلطات الاستعمارية من الشيخ عبد الحميد بن باديس إصدار بيان مؤيد لفرنسا فرفض أن يتخذ موقفا من صراع لا ناقة فيه ولا جمل وكيف يلبي وهو يقول : { لو طلبت مني فرنسا قول لا إله إلا الله لما قلتها } .
وبسبب موقفه ذلك وضع تحت الإقامة الجبرية بمنزله في قسنطينة حتى نعي الشعب الجزائري , مساء يوم الثلاثاء, 8 ربيع الأول سنة 1359هـ (16 أفريل 1940م) الذي اتخذته الجزائر يوم العلم بعد الاستقلال وقد قال البعض انه قد قتل مسموما من طرف الاستعمار.
وقد شيعت جنازة الشيخ في موكب عظيم حضرته مختلف الطبقات و الهيئات التي عدت بعشرات آلاف , جاؤوا من جميع أطراف الوطن. وقام بتأبينه, قبل مواراته التراب, رفيقاه في الجهاد العلمي: الشيخ مبارك الميلي و الشيخ العربي التبسي, ثم الدكتور بن جلول. وقد دفن جثمانه في روضة أسرته بحي الشهداء بقسنطينة, رضي الله عنه في الخالدين.
رحمك الله يا ابن باديس, عشت و مت مجاهدا من أجل الجزائر و العروبة و الإسلام, فربطت الجزائر العربية المسلمة ذكرى وفاتك بيوم العلم الذي تحتفل به كل سنة تقديرا وتخليدا لجهادك وعلمك من أجل تكريم الإنسان و تحرير الأوطان.