الدكتور رشاد لاشين
أطفالنا أغلى ما عندنا وديننا العظيم يؤسس لرعايتهم أعظم تأسيس كذلك يهتم بهم أفضل اهتمام فما من شعيرة من الشعائر ولا عبادة من العبادات ولا محفل من المحافل إلا وتجد اهتماماً بالطفولة ورعايتها، وقد هلت علينا نفحات الحج المباركة وعيد الأضحى والتي نجد من خلالها قدر الأطفال وقيمتهم ومكانتهم وصورتهم الراقيةً العزيزةً الغاليةً، ويمكن توضيح ذلك من خلال بعض الاستدلالات الآتية:
1. حب الطفولة والشوق إليها:
تبدأ قصة الحج حول حب الطفولة والشوق إليها من قبل سيدنا إبراهيم الذي ظل سنوات كثيرة يدعو ربه (رب هب لي من الصالحين) ثم يرزق بالولد عندما بلغ من العمر 86 عامًا، ويفرح به أيما فرح، ويشكر الله عليه وعندها أتى الاختبار الأول للأب في ابنه أن يذهب به إلى الواد الخالي من الزرع ويتركه ويذهب لفلسطين لمهمة الدعوة إلى الله تعالى!.
2. احتفالية رائعة لرعاية الطفولة:
السعي بين الصفا والمروة رمز عظيم لرعاية الطفولة، فأمُّنا هاجر عليها السلام بعد أن انتهى طعامها وانقطع لبنُها ورأت ابنَها الحبيب سيدنا إسماعيل يتشحَّط من شدة عطشه؛ فزِعت لرعايته وظلَّت تسعى مئات الأمتار بين جبلي الصفا والمروة بحثًا عن ماء؛ طلبًا لرعاية فلذة كبدها.
طول المسافة بين الصفا والمروة (375 مترًا) × 7 أشواط = 2625مترًا أي ما يقرب من ثلاثة كيلو مترات.
فالسعي بهذه المسافة الطويلة عبر سبعة أشواط من أمٍّ عظيمة تسعى لرعاية طفلها خلَّده الله تبارك وتعالى وجعله ركنًا من أركان الحج أحد الأركان الخمسة للإسلام، وأمرَ الحُجاج أن يحاكوا فعلَ هذه الأمِّ العظيمة ويقطعوا هذه المسافات، فهو إشعارٌ بأهمية الأطفال، وهو كذلك تربيةٌ عمليةٌ وتدريبٌ رائعٌ على أهمية رعاية الطفولة لكل من يريد أن يستكمل أركان الإسلام.
3. ماء زمزم تكريمٌ لأثر من آثار الطفل:
فماء زمزم الذي تفجَّر من تحت قدمَي سيدنا إسماعيل وهو رضيع وبقي للبشرية حتى تقوم الساعة أصبح معلما من معالم الحج الأعظم وسنناً من سنن الحج والعمرة ومن ثم فهو تكريمٌ لأثر من آثار الطفل الناشئ في طاعة الله تبارك وتعالى.
4. المكان الذي أطاع فيه الابن أباه:
يعود الأب (سيدنا إبراهيم ) من مهمته بعد 15 عاماً مشتاقاً لابنه الحبيب فيؤمر بذبحه ويستجيب الأب ويطيع الابن في نحو رائع كما نعلم جميعاً (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين).
ويؤسس في هذا المكان شعيرة من شعائر الحج ويقيم الحجيج في هذا المكان من يوم العيد إلى ثاني أو ثالث أيام التشريق ليحاكوا فعل الأسرة العظيمة التي استجابت لأمر الله تعالى ورجمت الشيطان الرجيم الذي كان يحرض الابن على عصيان أبيه ويحرض الزوجة على عصيان زوجها وليتعلموا ويعلموا أبناءهم طاعة الابن لأبيه واستجابة الأب لأمر الله تعالى وانسجام الأم مع تعاليم السماء.
5. الأضحية احتفالية لفداء الأبناء:
الأضحية رمزيةٌ عظيمةٌ لقيمة الأبناء وقدرهم في نفوس الأسرة التي توفر المال وتشتري الأضحية فداءً للأبناء كل عام، والذين كانوا طبقًا لما أُمر به سيدنا إبراهيم في أول الأمر سيُذبح واحدٌ منهم كل عام، ولكن جاء الفداء من السماء بعد الطاعة والتسليم ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ (الصافات: 107) ما أجمل أن نقول لأبنائنا إننا نحبكم ونحرص كل الحرص عليكم ونفديكم كل عام بهذه الأضحية التي نشتريها من أجلكم امتثالاً لأمر الله تعالى، فيزيد حبُّهم لنا ولشعائر الدين العظيمة ويحسُّون بقيمتهم وقدرهم فيشاركوننا في حمل الرسالة وأداء الأمانة.
6. إكرام الإسلام للصبي بأجر الحج:
لم يحرم الإسلام الصبي من أجر الحج فحينما يصاحب الطفل والديه يكتب له أجر حجة دون الفريضة ويضاء سجل حسناته بأجر الحج الذي يكتب له ولوالديه:
لذا علمنا الإسلام أن الطفل غير المميز (قبل 7 سنوات ): ينوي عنه وليه الإحرام بعمرة أو حج، ويطوف ويسعى به ويحضره معه بقية المناسك، ويرمي عنه.
أما الطفل المميز (بعد 7 سنوات) إذا أراد وليه أن يحج به فإنه يأمره أن يلبس ملابس الإحرام، ويفعل بنفسه جميع مناسك الحج، ويرمي عنه إن لم يستطع الرمي بنفسه، ويأمره أن يجتنب المحظورات في الإحرام.
لذا ينبغي علينا ونحن في الأيام المباركة التي يؤدي فيها الحجيج مناسك الحج، ونحن نعيش كذلك غمرة الفرحة بالعيد أن نوضح هذه المعاني لأبنائنا ونبيِّن لهم قدرَهم الكبير في ديننا الحنيف وشريعتنا الغرَّاء ومكانتهم العزيزة في نفوسنا، فتزداد محبتُهم لدينهم وتمسكهم بشريعتهم وارتباطهم بوالديهم وبرّهم لهم، وتنبني علاقةٌ قويةٌ ومتينةٌ في ظلال مبادئنا العظيمة.